خطبة بعنوان : “من رعاية الإسلام للأسرة وحمايتها”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
خطبة بعنوان : “من رعاية الإسلام للأسرة وحمايتها”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 9 من محرم 1438هـ، الموافق 29 سبتمبر 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عالج الخلافات الزوجية
الحمد لله رب العالمين القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال في حديثه القدسي :” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا “(مسلم).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلي الله عليه وسلم القائل :” لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر الليل “ . (البخاري).
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم ..
أما بعد
فقد قال الله تعالى:”يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ , وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً, واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام, إنّ الله كان عليكم رقيبا)(النساء).
عباد الله المؤمنين: الأسرة أساس المجتمع, بل هي مجتمع صغير منها تتكون الأمة, وعليها تقيم عمادها, وتوطد أركانها, وبصلاح الأسرة تصلح الأمة, وترقى إلى المجد, وننال ما نؤمل من غايات كريمة, وتقدم منشود, وإذا فسدت الأسرة كانت سبباً في انحدار الأمة إلى التأخر والشقاء, والأفراد العاملون لخير الأمة ورقيها, هل كانوا إلا ثمرات طيبةً للأسرة , التي تقوم الحياة فيها على الخلق والدين, وحسن المعاملة بين رب الأسرة وشريكته. والعناصر الهدامة في الأمة التي تشيع الفساد, وتحارب القيم, وتعبث بالمصالح, هل كانت إلا وليدة الأسرة التعسة التي ضعف فيها الإحساس بالمسئولية.
لذلك نجد أن الإسلام بعدما دعي للتدقيق في اختيار الزوج والزوجة وأعطي لكل من الزوجين حقوقاً علي الآخر نجده يتدخل سريعاً إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فيقول تعالي :” وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً” ( النساء /34).
أخوة الإسلام :
إن الحياة الزوجية لا تخلوا من مشاكل يومية والعاقل الذي يتغلب عليها ويعالجها بهدوء لتسير عجلة الحياة الزوجية ولتستمر كما أرادها الخالق لتعمير الكون ولكي تسير الحياة وتستمر كما أرادها الله فلا يعرف الزوج أن له القوامة كما قال الله عز وجل:”الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”( النساء /34).
وسبب نزول هذه الآية :
ما جاء في أسباب التنزيل أن” سعد بن الربيع” قد نشزت عليه امرأته ” حبيبة بنت زيد ” وكان سعد من النقباء وهما من الأنصار فلما نشزت عليه لطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص من زوجها ” فقال النبي صلي الله عليه وسلم :”ارجعوا هذا جبريل أتاني فأنزل الله:”الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”( النساء /34).فقال النبي صلي الله عليه وسلم :”أردنا أمراً فأراد الله أمراً والذي أراد الله خيراً ورفع القصاص ” .
فالقوامة هي قيادة رأي ومشورة لأن قيادة الأسرة تحتاج إلى جزم والمرأة لا تصلح لذلك والذي جعل هذا هو خالق البشر سبحانه وتعالى الذي يعلم ما فيه الخير للجميع.
علاج النشوز :
وقد ينشب خلاف بين الزوجين أو قد تنحرف المرأة عن الصواب من أجل ذلك فقد جعل الإسلام علاجاً لقوم الحياة الزوجية على المودة والسكن كما أرادها الله عز وجل أن تكون :
يقول تعالى :”وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “( الروم /21).
وإذا ما حدث خلاف ذلك فإن القرآن يقدم لنا العلاج الناجح والنافع ، قال تعالى :”الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً” (النساء4/34].
والملاحظ هنا أن الإسلام بدأ المعالجة بمجرد خوف الرجل من نشوز زوجته قبل أن تحيد أو تميل واللاتي تخافون نشوزهن ” ولم يقل واللاتي نشزن بالفعل لأن النشوز إذا وقع كان من العسير ومن الصعب معالجته إلا بعد وقت طويل ومجهود كبير وقد جعل الله العلاج على ثلاث مراحل : (1) وعظ (2) هجر (3) ضرب.
1- الوعظ :
وعظ بالحسنى والكلمة الطيبة كأن يذكرها بطول العشرة وبمغبة الخلاف وعواقبه وما يترتب عليه من تشريد للأطفال وتفكك الأسرة وشماتة الأعداء .
وقد بدأ العلاج بالعظة لأن هناك نوع من النساء تلين طباعهن إذا سمعن الموعظة والكلمة الطيبة وقد يلجأ الزوج إلى ولي الزوجة أو أبيها فيفصح له عما في صدره من خوف ناحية نشوز زوجته حتى يحفظ الولي هو ابنته ويتولى إصلاح حالها مع زوجها وهذا أمر مستحب ليس فيه شيء .
وقد حدث بين الرسول وبين السيدة عائشة خلاف فقال يا عائشة ترضين أن يكون بيني وبينك من ؟ أترضين أبا عبيدة بن الجراح قالت : لا ذلك رجل يقضي لك علي قال أترضين بعمر ؟ قالت : لا إنني أخاف منه فالشيطان يخاف منه ويفرق له الطريق قال أترضين بأبي بكر قالت : نعم فبعث إليه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبي بكر :” أقضي بيني وبين هذه قال أنا يا رسول الله قال : نعم فتكلم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت عائشة له : “أقصد يا رسول الله أي : اعدل فقام أبو بكر فضربها على وجهها فبدر الدم من أنفها وقال ويحك إذا لم يعدل رسول الله فمن يعدل فقال الرسول : ما أردنا هذا وقام فغسل الدم من وجهها بيده الشريفة ، وكان دائماً يذكرها ويقول لها رأيتني كيف منعت الرجل عنك “. (الطبقات لابن سعد 2 / 26 ).
وقد أصلح الرسول صلي الله عليه وسلم بين فاطمة وعلي كرم الله وجهه وقد حدث بينهم خلاف فجلس بينهما وأخذ بيد علي ووضعها على صدره وأخذ بيد فاطمة ووضعها على صدره ولم يزل حتى أصلح بينهما ثم خرج . وقال له بعض الصحابة دخلت وأنت مهموم وخرجت ونحن نرى البشرى في وجهك فقال وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إليَّ “ . (الطبقات لابن سعد).
2- الهجر في المضاجع :
وهو معناه التخاصم والمباعدة ولكن ليس بهذا المعنى دائماً إنما هو في المضجع فلا يهجر الرجل زوجته بمعنى يخاصمها أو يقاطعها أو لا يأكل معها ولكن يهجرها في المضجع بأن يوليها ظهره أو ينام في حجرتها بعيداً عن فراشها . وقد حدث أن هجر الرسول صلي الله عليه وسلم نسائه شهراً حين طلبن منه التوسعة في النفقة أما أن يطرد الرجل المرأة من البيت هذا ليس علاج.
لأن المقصود من الهجر في الآية هو علاج نفسي للمرأة لأن المرأة تعودت أن تكون هي المطلوبة من الرجل لكمال أنوثتها فإذا لم يطلبها الرجل فإنها لا تتحمل ذلك لإحساسها أنها فقدت أعظم شيء عندها وهذا العلاج يصلح شأن الكثير من النسوة لأنه أمر من الحكيم الخبير .
3- الأسلوب الثالث : الضرب
والقرآن الكريم حين شرع الضرب كعلاج إنما قصد الضرب الرحيم لمجرد التأديب وإحساس المرأة بخطئها ..لا ضرب التشفي والإذلال ولا الذي يحدث بها عاهة قد تستديم ، إنه ضرب لمجرد الطاعة فإن أطاعت فلا شيء عليها ويجب أن يوقف هذا العلاج فوراً وقد سئل الرسول صلي الله عليه وسلم :” هل تضرب المرأة يا رسول الله فقال :” اضربوا ولن تضرب خياركم ” ونهى عن الضرب لمجرد الضرب فقط فقال صلي الله عليه وسلم 🙁 لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم “0(البخاري).
وبهذا العلاج المتدرج عالج القرآن الصنف الثالث اللائي لم يسمعن الموعظة وتبلد الجانب الجنسي عندهن فتحتم أن يكون العلاج مادياً لإيلام الجسد .
وقد أنكر أعداء الإسلام هذا العلاج وقالوا كيف يسمح الإسلام بالضرب وإنه إهانة للمرأة ؟
ونقول لهم أولاً الذي شرع هو الله الخالق العليم بالنفس البشرية وبما يصلحها :”أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ “(الملك /14).
ثانياً: أن العلاج بالضرب هو آخر أنواع العلاج وليس أولها
ثالثاً : أن الضرب ليس لمجرد الضرب وإنما هو ضرب خفيف للتأديب
رابعاً : الضرب بعود سواك أهون أم الطلاق وهدم كيان الأسرة
خامساً : هذا العلاج ينفع في بعد الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة التي لا تفهم الحسنى ولا ينفع معها الجميل وقد تناول المريض الدواء المر ولكنه يتحمله حتى يعالج ويشفى من مرضه
” وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم “
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أما بعد
:”وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً “(النساء /35).
أخوة الإيمان :
يبين الله عز وجل أنه إذا احتدم الخلاف بين الزوجين ولم تنفع طرق العلاج الثلاثة الأولى ” الوعظ والهجر والضرب ” وأصبحت الحياة الزوجية مهددة بالخطر لابد من اللجوء لأهل الزوج وأهل الزوجة من العقلاء الذين إذا اطلعوا على الأسرار حفظوها .
مهمة الحكمين :
ومهمة الحكمين مهمة شاقة فإنهما يجب عليهما أن يختليا بالزوج ويتعرفا أسباب الخلاف ويذكراه بمصير الأولاد وحسن العشرة بينهما وبالمصاهرة وبالفصل الذي بينهما وعلى الحكم من أهل الزوجة أن يختلي بها ويشترط أن يكون من المحارم ويتعرف منها أسباب الخلاف وأن يذكرها بالله وحسن الصحبة وكل شيء حسن فعله الزوج معها إن كانت قد نسيت بطبيعتها وكفرت بالعشرة كما يذكرها نتيجة الطلاق وما فيه من متاعب ونظرة المجتمع للمطلقة ومصير الأولاد إن كان بينهما أولاد وهكذا سلامة النية :
والحكمان إذا أرادوا صلحاً وأخلصوا النية لله كان توفيق الله حليفهما وكانت هداية الله لكل من الزوجين أما إذا أراد طرف والطرف الآخر لم يرد إلا الطلاق فليس هناك توفيق بينهما .
أخوة الإيمان والإسلام :
هذا هو حكم الله وأمره والله لا يرضى عن الأخذ بغير ما شرع لقوله تعالى :”أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ “(المائدة /50) ..
اللهم إنك سبحانك لا تضيع لديك الودائع وإن بيوت المسلمين لديك أمانة فأحفظ جميع الأزواج والزوجات من الفتن والمعاصي وكيد الشيطان الرجيم في هذه الساعة المباركة حفظاً هاديًا عاصماً.
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.
بارك ربي فيكم جميعا وجزاكم الله خيرا على هذا الموضوع المفيد والرائع
اغلب الاهل لايصلحون وغير مؤهلين فى ايامنا هدة الى عملية التحكيم وانا للة وانا الىة رلجعون